عمائم السي آي إيه!

نشر في: آخر تعديل:


كلما قرأت شيئا من ترهات من يدعون النطق باسم الإسلام، سواء كانوا من علماء السلاطين، أو مجانين التنظيمات الدولاتية، تذكرت كتاب الراحل الكبير حسن التل، «الأنبياء الكذبة»!
لقد بتنا اليوم في حالة هلامية من غياب الرؤية وكثرة المتألهين، المتحدثين باسم السماء، بعد غزو العراق ألف كاتب صحفي أمريكي شهير يدعى رولاند كيسلر كتابا قال فيه إن «السي أي إيه» دفعت أموالا لـ «الملالي!» لإصدار فتاو تحث العراقيين على عدم مقاومة الاحتلال الأمريكي، وأوجدت «زعماء» إسلاميين وهميين لتوجيه رسائل لرعاياهم المؤمنين، لمواجهة المشاعر المعادية للولايات المتحدة بعد هجمات أيلول، وحتى «صنعت» رجال دين عملاء، ارتدوا مسوح العلماء وأصدروا فتاوي «معتدلة» وينسب كيسلر لجورج تينيت مدير وكالة المخابرات الأمريكية السابق قوله إنه ..(في الاسلام كما في أديان أخرى يمكن لأي شخص أن يقول أنه زعيم ديني..لذلك فإلى جانب دفع أموال للملالي أوجدت السي أي إيه ملالي مزيفين..وجندت عملاء لينصبوا أنفسهم علماء دين ويتخذوا مواقف أكثر اعتدالا تجاه غير المؤمنين) فالمخابرات الأمريكية (تسيطر على محطات إذاعية وتدعم علماء الدين!!) .
لا ندعي أن كل المعلومات الواردة في الكتاب خارجة من مختبرات المخابرات، فنحن لم تقرأ الكتاب، ولم نر منه غير مقتطفات صحفية سريعة، تفسر فيما تفسره، شيئا من أسرار انهيار النظام الدفاعي لبغداد، ومنها دفع أموال للحرس الجمهوري، كي يخونوا بلادهم ويسهلوا سقوط عاصمتهم، كما تفسر وجود «عمائم» ترطن بلغة الناطق باسم البيت الأبيض، وهي ليست أسرارا بالمعنى الحرفي، ولكنها جاءت في وقت حرج، وتربة خصبة لزرع بذور الشك والشقاق في الصف الإسلامي المنهك والمتصدع أصلا!
لست في وارد الرد على مزاعم الكتاب، لكنني أعلم يقينا أن المخابرات فشلت حتى الآن في زرع عملاء مباشرين لها في الصف الإسلامي، لأن هؤلاء لا يطيقون تكاليف الالتزام الإسلامي، ومن السهل على الصف المؤمن أن يكتشف نفاق هؤلاء، كما هو شأن المنافقين في عهد الاسلام الأول، ولكن بوسعها استثمار «العلماء العملاء» الذين يسبحون بحمد السياسات الرسمية؛ لأنهم يتقاضون رواتبهم من السلاطين، ورسائلهم مفضوحة وفاقدة لأي مصداقية، كما بوسع السي أي إيه استغفال بعض المتدينين، وزرع الكلام في أفواههم، وربما صناعة بعض النماذج «المتطرفة» المجنونة، كي تظهر صورة المسلمين بالقبح المطلوب الذي يبرر العدوان على أهله، أما قصة «الملالي» فمن حسن الحظ انني كنت في بيروت ذات يوم بعيد، وكان موضوع اكتفاء شيعة العراق بالمقاومة «السلمية!» للاحتلال، مدار نقاش معمق مع شيعة لبنان المسيسين والمتدينين، والمنقسمين أصلا بين مدافع عن موقف شيعة العراق، وعاجزين عن تفسير هذا الموقف، وبين هذا وذاك ثمة من لا يؤيد هذا الموقف إطلاقا ويشعر بالحرج منه.
ليس من الحكمة الاستسلام للتفسير المخابراتي الذي يحاول أن يبلغه لنا هذا الكتاب وغيره ممن يدعي أن مخابراتهم شغّلت رجال دين مزيفين، وألفت تنظيمات إسلامية، سعيا لزرع بذور الشك في الصف الإسلامي، وضرب الاعتدال الحقيقي بزعم أنه «صناعة» أمريكية، ومع هذا لا يمكن لنا أن نغلق عيوننا أو نصم آذاننا فلا نرى ولا نسمع من يرتدي هيئة «رجال الدين!» المسلمين، بوصفها «عدة الشغل» فيتحدث بلسان عربي فصيح باسم الله ورسوله وعامة المؤمنين، فنحن في حالة حرب مفتوحة على مختلف الساحات والمساحات، تستهدف زرع الفتن واستغلال العقول المغلقة والتعصب الأعمى لتفجيرنا من الداخل، متدينين وغير متدينين، مسلمين وغير مسلمين، فهذه هي الوصفة المثلى لتدمير «عدوك الأخضر» دون أن تخسر جنديا واحدا، ولعل هذا ما يفسر كثيرا من الحروب الدائرة اليوم في ساحات بيوتنا، وغرف نومنا، فيما ينعم عدونا الأزلي بالتمتع بمشاهدتنا ونحن نريق دماءنا، ونقتتل فيما بيننا! جريدة الدستور الأردنية

جميع الحقوق محفوظة.
لا يجوز استخدام أي مادة من مواد هذا الموقع أو نسخها أو إعادة نشرها أو نقلها كليا أو جزئيا دون الحصول على إذن خطي من الناشر تحت طائلة المسائلة القانونية.